يبقى المجتمع الليبي سرداباً عميقاً غير مكشوف المعالم إلى يومنا هذا, فالكثير من القضايا الإجتماعية تبقى رهينة أصحابها وضحاياها لوقت طويل دون الكشف عنها أو تناولها بشكل عام. هنا نكشف عن قضية العنف الأسري المُبرر إجتماعياً.
يُعد العنف الجسدي والعنف العاطفي (النفسي) المرتكبين ضد الأطفال من قبل البالغين في سياق التهذيب والعقاب بمثابة الشكل الأكثر شيوعًا للعنف الذي يتعرض له الأطفال في ليبيا: حيث أفاد ثلاثة من كل أربعة أطفال في دراسة قام بها قسم حماية الطفل بمنظمة اليونسيف عن تعرضهم للعنف بشكل عام سواء في المنزل, المدرسة أو أماكن الرعاية البديلة.
تطرف فكري, إستعباد جسدي , وملكية سادية, حين تجتمع كل هذه المضامين في قصة واحدة وعنوان عريض لإنسان عاش أنكى أنواع وأساليب التعذيب النفسي والجسماني التي يتفنن بها أرباب بعض العائلات الليبية هنا تكمن المعضلة الحقيقية التي يعيشها الكثيرين من ضحايا العنف الأسري في ليبيا.
هنا من بين الكثير من الحالات تتردد نوميديا في رواية قصتها, فهي تؤمن كلياً بأن قضية تعنيف الأطفال ومن بينهم الفتيات مستشرية وموجودة في المجتمع ولابد لنا الحديث عنها ولكن بحذر, فتناول القضية في دولة كليبيا قد يسبب الجلبة والكثير من الصياح كوننا مجتمع سيناهض وضع الفتاة المعنفة فهي بالنسبة لهم عاصية و رافضة لطقوس وأعراف عائلتها.
نوميديا محمد( إسم مستعار), 21 سنة , خريجة ثانوية أدبي- لم تكمل دراستها الجامعية, هاوية في مجال الرسم و التصميم.
عاشت نوميديا في عائلة مكونة من أخت واحدة و ثلاث أخوة أولاد رفقة والدتها و والدها رجل الأعمال الذي تربطه علاقات متينة برجال الدولة والميليشيات المسلحة حالياً حسب وصفها له. تقول نوميديا أن والدها كان يعاني من رُهاب جندري معين تُجاه الفتيات فهو دائم الكُره والتمني بالموت لهن, حتى مع بناته لدرجة أنه طلب من والدة نوميديا إجهاضها أثناء فترة الحمل بها.
كان والد نوميديا منذ فترة طفولتها يلجأ لإستعمال وسائل إرهاب معينة ضدها هي وأختها, فكان يُقدم على حلاقة شعرهن كالفتيان والذي ما يكون مدفوعاً بأسباب إيمانه الكلي بأن الفتيات هن السبب وراء جلب العار والمعائب له ولعائلته. لم يكن مسموح لنوميديا أو لإخوتها الخروج من المنزل أو الذهاب للأصدقاء أو حتى لأقاربهم ولا يمكنهم حتى إقامة أي نوع من الصداقات, حتى الدراسة في كل سنة يحاول العم الأكبر لهم إقناع والدهم بإكمال الدراسة و لولاه لكانوا دون شهائد دراسية أو خلفية تعليمية.
يلجأ والد نوميديا إلى الضرب والتعنيف لأبسط الأمور حتى إن التأخر لبضع دقائق لحين إنجاز كوب من الشاي أو القهوة قد تكلف عقوبته المبيت في حديقة المنزل (الجنان) لليلة كاملة أو الضرب بالسياط وأحزمة الوسط .. إلخ. في أغلب حالات العراك أو الضرب التي تحدث يكون موقف الأم جداً سلبي فهي لا تُقدم على فعل أي شئ كونها (مستضعفة) على حد وصفها, كما أن والدتها لا تفضل طلب المساعدة أو الإستنجاد بالآخرين فهي تخاف حديث الناس ونظرة المجتمع لعائلتها وبناتها.
حيوط حوشنا كانوا شبه لوحة فنية لأنه كان حرفيا يقلب في سفرة الغذاءبشكل متكرر
وجه مكفهر وملامح عبوسة سيطرت على نوميديا أثناء الحديث, تلتها بعض الأنفاس المتقطعة, آنفاً أكدت نوميديا لي بأن والدها كان إنساناً يحمل قيماً متدينة او محافظة وكان يصلي بالتوازي مع ضربه لنا, كما أن الضرب والتعنيف ليس مقتصراً علينا نحن فقط كأبناء بل حتى أمي كان لها النصيب الأكبر من هذا, حيث تتوقف عن الحديث متسآلة: لماذ يصلي يا تُرى؟
كانت المعاناة شبه يومية سواء في المطالبة على أبسط الحقوق أو نيلها, فكان الهاتف ممنوع, الخروج للأصدقاء ممنوع حتى أن الحق في إتخاذ قرار ما يمكنها إرتداءه من عدمه كان ممنوعاً أيضاً. فالسياسة المفروضة هي التي كانت سائدة في المنزل والتي تهيمن عليها ديمومة المشاكل وكثرة الشكوك وإختلاق العراك مع أفراد العائلة والتي حتمية نهايتها ما تكون عنيفة ودموية.
هنا عند هذه المحطة حيث تتعدد أسباب هروب الفتيات من أسرهم سواء لأسباب شخصية أو إجتماعية , عنف منزلي أو الإجبار على الزواج, حيث تعتبر نوميديا نفسها بأن قضيتها جامعة لكل هذا فهي تُعنف داخل منزلها ومن والدها كل يوم كما أن إستفزازه لها كل فينة وآخرى بأنه سيجبرها على الزواج فجملة (سأزوجك لهذا وسأزوجك لذاك) كان مسيطرة على حديثه كوسيلة ترهيب لها حيث إعتبرتها تقييد كامل لحريتها الشخصية وحقها في تقرير مصيرها.
و عند سؤالنا لها عن ما إذا فكرت في التبليغ عن العنف المُمارس ضدها من قبل والدها قالت نوميديا أنها لم تفكر حتى مجرد التفكير في هذا الأمر فهي لاتعرف ما إذا كان هناك أماكن أو مؤسسات يمكن التبليغ من خلالها فلم يسبق لها السماع عن أماكن يلجأ لها المعنفون أسرياً من قبل.
كما تقول بأنها حتى في حال علمها بوجود أماكن للتبليغ لن تقوم بذلك خوفاً من النتائج العكسية فهي تعتقد أنه في مثل حالتها حتى وإن قامت بالإبلاغ عن تعرضها للعنف سيتم اعتباره شأن عائلي و أسلوب تربية, ذلك نظراً لطبيعة المجتمع الذي يعتبر ممارسة العنف كنوع من أنواع التربية.
احني عايشيين في مجتمع ذكوري في النهاية بيقولك هذا بوك!
و عن موقف العائلة و الأقارب قالت نوميديا أن عمها كان شاهداً على العنف الجسدي و اللفظي و الحرمان الذي يُمارس ضدها و أخوتها في أكثر من مناسبة, وبالرغم من تعاطفه معهم و إدراكه لحجم المعاناة التي يمرون بها لكنه لم يتمكن من تقديم أي مساعدة, فكل محاولاته للحديث مع والدها من أجل تخفيف وطأة العنف تكون نتيجتها واحدة برد من والدها:
صغاري أنت شن دخلك! أنت حر في صغارك كيف تربيهم و أنا صغاري هكي نربي فيهم
أنواع العنف داخل المنزل (العنف الأسري)
فكرة الهروب كانت رهن تفكيري ديما ولكن ما قدرتش نطبقها إلا مؤخراً
بعد تخطيط غاية في الحذر والسرية حاولت نوميديا على مدار ثلاث أشهر أن تقدم على التأشيرة التركية C1 التي لا تستوجب الحضور الشخصي بمساعدة صديقتها والتي أمدتها بمبلغ معين يساهم في حجز تذكرة الطيران وبعض مصاريفها الأساسية في تركيا, كما انها حاولت بطريقة ما أن تستقصي الرقم السري الخاص بحقيبة والدها الذي يخبئ فيه جواز سفر العائلة وتمكنت من ذلك قبيل هروبها بدقائق- حتى لا تلفت إنتباه والدها بعدم وجوده ضمن محتويات الحقيبة.
عند الخامسة فجراً, شهر يناير الماضي تمكنت نوميديا من جمع بعض من أغراضها وأوراقها الثبوتية وتسللت عبر النافذة إلى الخارج وبمساعدة أحد أصدقائها والذي قام بإيصالها إلى (مطار إمعيتيقة) فجراً تمكنت نوميديا من النفاذ إلى طائرتها بسلام عند التاسعة صباحاً, ومن هناك بدأت أولى أيامها في أسطنبول ولمدة محدودة تقارب الأسبوعين والتي علم فيها والدها بمكان تواجدها بعد تمكنه الوصول إلى صديقها الذي ساعدها على الفرار, وبطرقه الخاصة إستطاع إستقصائه وجلب كل المعلومات منه وحبسه لمدة أسبوعين تقريبا بعد أن لفقوا له تهمة ( تنظيم لشبكة دعارة دولية) والتي تمكن من تبرئة نفسه منها.
بعد أسبوع من وصول نوميديا إلى الأراضي التركية والتي لم تتمكن منها إلى طلب اللجوء الإنساني في أنقرة- لأسباب سياسية- إستطاع والدها السفر واللحاق بها هناك ولكن لم يستطع العثور على أي أثر لها, وهذا سبب له فقدان للأمل في إسترجاعها أو حتى قبولها ضمن افراد عائلته مجدداً.
يقول لخوتي وأمي أعتبروها ماتت
وبعد البقاء لمدة أسبوعين لا أكثر إنتقلت نوميديا إلى بلد آخر- لاتود التصريح عنه - ومن هناك بدأت حياتها كشخص مستقل قادر على إقرار مصيره بكل حرية.
تذكر نوميديا تفاصيلاً بسيطة ولكن تملأها فرحاً فهي تقول: في هذا البلد لأول مرة أسبح في البحر ولأول مرة أترجل في الشوارع بحرية ولوحدي, أترجل لأكتشف أو لتقضية مشوار ما, او حتى الذهاب الي السوبرماركت, كما أنني اصبحت قادرة على أن أقرر ماذا ألبس وأكل وكيف أجلس, لربما يراها البعض أموراً بسيطة ولكنها تعني لي الكثير. أعتقد ان وجودنا في دولة يحكمها القانون هو أعظم شئ فدوماً ما أشعر أنني محمية من قبل القانون ولا سلطة لأحد عليّ سواه.
صكوك قانونية
يعتبر الصك القانوني المحلي الرئيسي الذي يُعنى بحماية الطفل في ليبيا هو قانون حماية الطفل رقم 5 لعام 1997، والذي يُشار إليه أيضًا باسم قانون حماية الأطفال. لا ينص هذا القانون،الذي لا ينطبق إلا على الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 16 عامًا، على حظر العقاب الجسدي صراحةً. ولا يحتوي مشروع الدستور الجديد في ليبيا على حظر لجميع أشكال العقاب الجسدي أيضًا. وحتى كتابة هذا التقرير، لا يتضح ما إذا كان مشروع قانون الأطفال سيحتوي على أحكام تحظر جميع أشكال العقاب الجسدي للأطفال.
كما تُعد ليبيا طرفًا في عدد من المعاهادات و الاتفاقيات الدولية التي تنص على توفير الحماية للأطفال من العنف, ومن أهمها اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل التي انضمت إليها ليبيا في أبريل 1993 دون تحفظات.
تتسق العديد من جوانب التشريعات المحلية في ليبيا مع التزاماتها القانونية الدولية، إلا أنه لا تزال هناك بعض الاختلافات والثغرات التي لا تضمن الحماية للأطفال بشكل كلي.
أهم القوانين و التشريعيات الليبية و الاتفاقيات والمعاهدات التي تصادق عليهم ليبيا فيما يتعلق بحماية الأطفال.
بالرغم من كل الالتزامات بموجب القانون الدولي، إلا أنه لا تزال العقوبة الجسدية للأطفال مشروعة بموجب التشريع المحلي في ليبيا بالنظر إلى أن العقوبة تحدث في المنزل أو في أماكن الرعاية البديلة أو في المؤسسات العقابية أو كعقوبة على ارتكاب الجرائم.
عائلة لا تعول !
عند جانب آخر وداخل حدود ليبيا وبالتحديد في مدينة بنغازي- داخل منزل موصدة أبوابه عند الزاوية الشمالية وعبر ممراته وحجراته تمكث عائلة بنغازية مكونة من خمس إناث و إثنين من الذكور مع والدتهن غير المستقرة ذهنياً كما تصفها ابنتها- العائلة فقدت والدهم سنة 2005 و الذي كان الراع للعائلة أثناء مرحلة الطفولة حتى بلوغهن مرحلة الرشد والإدراك.
فاطمة نذير( إسم مستعار) 29 سنة, خريجة لغة إنجليزية وتعمل بشكل مستقل كمدرس خصوصي لتعليم الأطفال.
كان اللقاء والحديث مع فاطمة جداً حذراً فهي لجأت إلى إستخدام اللغة الإنجليزية حتى في إبداء شهادتها و رواية قصتها حتى لا ينصت لها أحد من أفراد العائلة خيفة أي رد فعل عنيف. و رغم الإيجابية التي تحاول فاطمة إعادة توليدها إلا أنها لم تخفي رغبتها في الذهاب بعيداً و المضي قدماً نحو حياة جديدة.
هنا تروي لنا فاطمة قصتها عن عائلتها التي تعيش معها و التي عانت و لازالت تعاني من التعنيف الجسدي و اللفظي منذ طفولتها من قبل والدتها و إخوتها الشباب الذين تسيطر عليهم قوة المخدرات و تأثيراتها العضوية والجسدية.
حيث تقول: نشأنا في أسرة الأم فيها خارج المعادلة, كان أبي هو الراع لنا في كل شؤوننا فوالدتي دائمة الابتعاد عنا, أحياناً قد تغادرنا إلي بيت جدي لسنوات ولا تهتم حتى بالسؤال علينا أو تفقد حالنا ولولا والدي رحمه الله الذي كان يصر علينا بزيارتها من وقت إلى آخر لكنا لم و لن نفكر في فعل ذلك.
والدي إعتاد ان يضحكنا ويلاعبنا ويطهي لنا الطعام ويهتم بكل أمورنا, كان عكس والدتي في كل شئ, حيث كان تقديمه للطعام تقديماً صحياً وإختياراً دقيقاً لكل ما نتناوله, والدي كان مدرسة بالنسبة لنا هو المسؤول عن كل أمر يخصنا, أما والدتي كانت بعيدة عنا في كل شئ أثناء فترة طفولتنا, حيث كانت تعاقبنا بشكل جنوني لمجرد فعل أمر ما تراه مضاداً لرغبتها.
تصف فاطمة بأن بيئة المنزل اليومية هي بيئة مضطربة وسوداء مليئة بالقلق وتبادل الشتائم والصراخ والضرب, حيث أن والدتها تقطن معهم اليوم بعد رحيل والدها وهي التي تحاول إشعال الفتنة بين أبنائها وأحيانا تتقول عليهم لإشعال ضغينة أو حرب نفسية بينهم, بل تتجاوز هذا الحد أحياناً فتطلق علينا وابلاً من الأدعية بالمرض والجنون والموت.
عطك خبيث إن شاء الله تفطسي يا مجرمة
هذا نموذج مبسط عن الجمل والكلمات التي تتداولها والدة فاطمة في المنزل وبشكل يومي حيث وصفت فاطمة بأن والدتها لا تنعتها أو تنعت بقية الإخوة بإسمائهم بل تنعتهم بأسماء الحيوانات و وصمات معينة كالمجرمة والبرصة والعفاريت السوداء, فهي من النادر ما تستخدم أسمائهم لمنادتهم أو التحدث معهم.
يمارس إخوة فاطمة الأولاد الضرب المبرح عليهن بكثير من الأدوات ففي كثير من المرات يلجأوون إلى إستعمال أدوات حديدية وعصي خشبية للإعتداء عليهن و ضرب رؤوسهن على الحائط بشكل مباشر وحاد. كما أقبل أحدهم في الكثير من المرات على طلب المال في مكان عملها هي وأختها أمام زملائهم مما أضطرهم آسفين للإمتناع عن مزاولة عملهم. تعزي فاطمة سبب ممارسة إخوتها لسلطتهم الذكورية إلى سلوك والدتها العدواني و التي تشجع إخوتها الأولاد على تعنيفهم وضربهم ومنعهم من ممارسة حياتهم المهنية والدراسية, بل في كثير من الأحيان تصرح بأنهن يستحقن العزل و الموت.
ليست فاطمة وحدها من يعاني هذا الأمر فالكثير في ليبيا يعاني مرارة العنف داخل المنزل ونقص الشعور بالآمان مع آباءهم او آمهاتهم, فضلاً عن حالة القلق والإنهيار النفسي الذي يعانيه هؤلاء الاشخاص حالياً بسبب فترات الطفولة المضطربة التي مروا بها, كما لا يمكنهم اللجوء إلى أي منظمات أو مراكز لتلقي الشكاوي بشكل علني أو سري بسبب عدم وجود آلية واضحة ومباشرة للإبلاغ عن هذا النوع من الإعتداءات.
من يحمي الأطفال من العنف ؟
غالباً ما يتردد الأطفال الذين يعانون من العنف في إخبار الآخرين عن تجاربهم لأسباب مختلفة، بما في ذلك الشعور بالذنب أو الاستحياء أو الخوف من عدم تصديقهم أو حتى توبيخهم بسبب ما حدث. وعلاوة على ذلك، فإن مقدمي الخدمات، إن وجدوا، ليسوا دائمًا متوفرين أو مجهزين للتعامل مع حالات العنف. ومن بين أهم العوامل التي تؤثر على أي استجابة للعنف ضد الطفل, تتمثل في معرفة الضحية بمكان طلب المساعدة.
تُعد خدمات الدعم الحكومية (الرسمية) للأطفال من ضحايا العنف ضئيلة في ليبيا، مع عدم وجود أنظمة للإحالة والإبلاغ عن الحالات بشكل عام أو أنها غير فعالة إلى حد كبير.
بحسب تحليل حالة حقوق الطفل لعام 2011 في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذي قامت بإجراءه منظة إنقاذ الطفول (Save the children) يشير إلى أنه لا يتم تنفيذ أحكام حماية الطفل بشكل جيد، ويوجد نقص في البرامج وكذلك خدمات الإحالة وإعادة التأهيل لضحايا الاعتداء.
و في مارس 2016 ، أجرت منظمة إنقاذ الطفولة الدولية (Save the children) ومؤسسة هانديكاب الدولية (Handicap) تقييماً للحماية في ليبيا، مع التركيز على وضع النازحين داخلياً. كان الغرض العام هو تقييم احتياجات الحماية العاجلة والمتوسطة في طرابلس وبنغازي. و وفق هذا التقيم تجدر الإشارة إلى أن المستشفيات أحد الأماكن القليلة جداً من مقدمي الخدمات من المؤسسات الحكومية في سياق تكون فيه خدمات الدعم الحكومية الأخرى (مثل تلك التي يوفرها النظام القضائي عادة) "عاجزة" بسبب النزاع المسلح.
أما الدعم غير الحكومي المتمثل في المنظمات غير الحكومية المحلية و الدولية, لم يمكنها النزاع المسلح القائم في ليبيا من تقديم المساعدة بشكل فعال و مستمر. علاوة على ذلك، المنظمات غير الحكومية الدولية، على وجه الخصوص، نادرًا ما يتم الاتصال بها للحصول على مساعدة الحماية لأنهم إما غير موجودين أو لأن المعنفين أسرياً ليسوا على دراية بالخدمات المتاحة.
الناطق بإسم مكتب اليونيسيف في ليبيا مصطفى عمر خلال حديثه لنا عن دور منظمة اليونيسيف كمنظمة أممية تهتم بشؤون الطفل في ليبيا يقول: أن الدراسة التي قام بها قسم حماية الطفل بالمنظمة عن العنف المُمارس ضد الأطفال داخل المنازل و المدارس أنتجت أرقاماً مخيفة حسب وصفه. مرجعاً ذلك إلى أن المجتمع الليبي يعتبر ممارسة العنف كنوع من التربية, إذ غالباً ما يعتبره البالغون نوعاً من أنواع التهذيب سواء كان داخل المنزل أو المدرسة.
في بعض الأحيان يطلب الأهل من المعلمين في المدراس أن يعنفوا الأطفال
كما أضاف السيد مصطفى عمر أن مكتب اليونيسيف في ليبيا لا يقوم بتنفيذ أعمال على الأرض بشكل مباشر, إنما يكون العمل دائماً عن طريق شركاء محليين و دوليين مثل المنظمات غير الحكومية المحلية و الدولية أو بالشراكة مع المؤسسات الحكومية مثل وزارة الشؤون الاجتماعية و وزارة التربية و التعليم وغيرهم من المؤسسات الحكومية الأخرى.
فعلى سبيل المثال أبرمت المنظمة اتفاقية عمل مع وزارة الشؤون الاجتماعية تم الشروع في تنفيذها منذ مايو 2019 تستمر لمدة عامين تقضي بأن تقوم الوزارة بالتعاون مع منظمة اليونسيف بتنفيذ أنظمة لتوفير الحماية للأطفال, من خلال اقتراح تشريعات و سياسات تساهم في إنهاء حالات العنف ضد الأطفال داخل المجتمع بشكل عام. كما أشار إلى مشاريع أخرى في السابق قامت المنظمة بالعمل عليها بالتعاون مع المؤسسات الحكومية حيث تم إنشاء وحدات لحماية الأسرة و الطفل بالتنسيق مع الحكومة الليبية في عام 2014 على أن يتم تفعيل وحدات الحماية من قبل وزارة الداخلية بعد أن تم تدريب ضباط و أخصائيين اجتماعيين وقُضاة من أجل التعامل بشكل خاص مع الأطفال المعنفيين مع توفير سُبل للتبليغ. مؤكداً أن أهم خطوة يعمل عليها مكتب اليونيسيف في ليبيا في الوقت الحالي هي رصد الوضع من أجل فهم الحالة الليبية و تعاملها مع العنف ضد الأطفال.
و بالرغم من كل المحاولات التي يقوم بها مكتب اليونيسيف في ليبيا من أجل المساهمة في توفير سُبل و أنظمة للإبلاغ عن حالات العنف ضد الأطفال, تظل المؤسسات الحكومية الليبية هي المسؤول المباشر عن تنفيذ أي أنظمة حماية أو تبليغ من شأنها حماية الأطفال خاصة ممن يتعرضون داخل المنازل.
الشؤون الإجتماعية .. لا شأن لها
المحاججات الضعيفة هي السبيل الوحيد للمناص من المسؤولية الإجتماعية المقدمة من قبل الوزارة, و في ظل ما تعانيه المئات و لربما الآلآف من الحالات في ليبيا نتيجة العنف الممارس منزلياً تتخذ فيه وزارة الشؤون الإجتماعية دور المتنصل من المسؤولية بشكل غير مباشر بحجة أنها لا تملك إمكانيات وميزانيات و أماكن حاضنة للحالات المعنفة.
تستهل المستشارة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية أ. زهرة عويض حديثها بأن المجتمع الليبي - والذي وصفته "بالمحافظ و المتزمت" يعتبر الأسرة خط أحمر بالنسبة له, والذي يحاول بقدر المستطاع الحفاظ على سرية مشاكله وعدم إظهارها إلى الناس, والذي تعتبره أمراً إيجابياً للمحافظة على خصوصية المنزل وأفراد أسرته. معللة ذلك بأن السرية و الاحتواء و محاولة علاج المشاكل داخلياً قد يكون إيجابياً من أجل المحافظة على النسيج الأسري وعدم تفككه.
انا نفتخر أن أنا من المجتمع الليبي المجتمع المغلق المتزمت اللي يحافظ على عاداته و تقاليده اللي يحافظ على النسيج الاجتماعي .. يعني الأسرة خط أحمر
تقول أ.عويض أن الوزارة تستخدم آلية سرية في التعرف على ضحايا العنف القاطنين مع أسرهم, و التي في كثير من الأحيان ما يُسمع عنها عن طريق بلاغات مقدمة من مجهولين أو مقربين من تلك الأسر و التي غالباً ما تدفع الأخصائيين الإجتماعيين لدى الوزارة التوجه لتلك الأسر والتظاهر بأنها لجان لحصر السكان أو الأسر الكبيرة أو المنازل الآيلة للسقوط وبالتالي هذا يسرع من قابلية تلك الأسر للتعاطي مع هؤلاء الأخصائيين دون معرفة هويتهم الحقيقية. و من خلال عملية الملاحظة أو البحث داخل المنزل يتم التدقيق إذا ما كانت هناك إصابات ظاهرة لدى الأطفال أو الضحايا وبالتالي سيتم التأكد من وجود حالات معنفة وإعادة الزيارات لهم بشكل رسمي و واضح لتلك الأسر في المرات القادمة. و بالرغم من هذه المحاولات و الأساليب المتعبة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية إلا أنها تبدو غير مجدية وتقتصر على تقديم نصائح بعد التأكد من وجود حالات العنف, حيث لا يمكن من خلالها تنفيذ أنظمة لتوفير الحماية للأطفال المعنفين داخل المنازل خاصة مع عدم وجود ألية واضحة للتبيلغ أو تحويل الحالات عن طريق مراكز الشرطة على سبيل المثال.
كما تقول أ. عويض بأن الحل الوحيد للحد أو القضاء على العنف داخل المنازل بأن تكون هناك شراكات بين كل المؤسسات الحكومية المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر, بالإضافة للتعاون مع المنظمات غير الحكومية التي تهتم بقضايا الأطفال المعنفين. حيث ترى أن الوضع الحالي للمؤسسات الحكومية مشتت ولا وجود لألية عمل مشترك, مما يجعل من كل مؤسسة تعمل بشكل منفصل و متواضع دون وجود نتائج حقيقية.
و عند سؤالنا عن ما اذا كانت الوزارة تملك أي احصائيات أو أرقام عن الأطفال ضحايا العنف الأسري في ليبيا أكدت لنا أ.عويض أن الوزارة لا تملك أي احصائيات أو أرقام بهذا الشأن لأنه لا يوجد تواصل بينهم وبين وزارة الداخلية حيث لا يتم تحويل أي حالات إليهم من مراكز الشرطة.
طريقك مسدود!
يواجه الأطفال ضحايا العنف في ليبيا عقبات كبيرة في الوصول إلى العدالة أمام المحاكم الليبية. من أجل إقامة دعوى جنائية، يجب أن يكون الشخص قد بلغ سن الرشد القانونية، وهي 18 عامًا. وبالتالي، لا يمكن للأطفال ضحايا العنف الوصول إلى العدالة إلا إذا شرع ولي أمرهم القانوني في اتخاذ الإجراءات نيابة عنهم بحسب القوانين و التشريعات الليبية. ينطبق الاستثناء من هذه القاعدة عندما يسعى قاصر إلى اتخاذ إجراءات قانونية "ضد الأوصياء عليه بسبب الإجراءات المتخذة خلال فترة الوصاية"، ولكنه يُختلف على ما إذا كان هذا ينطبق على الأطفال الذين يتعرضون للاعتداء من والديهم البيولوجيين. كما أن عدم توفر ألية شكاوى تجعل من إمكانية الوصول إلى العدالة للأطفال ضحايا العنف أكثر صعوبة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تنويه:
كل الأرقام والإحصائيات المستخدمة صادرة عن دراسة بشأن العنف ضد الأطفال في ليبيا قام بها قسم حماية الطفل بمنظمة اليونيسيف مكتب ليبيا.
إجمالي حجم العينة 2,887 طالبًا من المدارس المتوسطة في 22 منطقة مختلفة بإجمالي 46 مدرسة من المدارس الحكومية. تراوحت أعمار التلاميذ الذين شملهم الاستطلاع بين 11 عامًا و18 عامًا. شكلت الإناث نسبة حوالي 55%، بينما كانت نسبة الذكور 45%.
شارك
Share on facebook
Share on google
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp