في طريقنا لـ حي الصابري وسوق الحوت في بنغازي, هنا الرغبة في العودة للبيوت و الحنين إلى الأحياء , هنا الموت المفاجئ والحقيقة المخفية, هنا بيوت محاطة بألغام و مدفونة دون أكفان, هنا شوارع مطوقة بالرهبة والخوف والفزع, هنا الصابري وسوق الحوت. بعد حرب دامت لأكثر من ثلاث سنوات في مدينة بنغازي شرقي البلاد كان ضحاياها "أهالي المدينة" ما بين...
في طريقنا لـ حي الصابري وسوق الحوت في بنغازي, هنا الرغبة في العودة للبيوت و الحنين إلى الأحياء , هنا الموت المفاجئ والحقيقة المخفية, هنا بيوت محاطة بألغام و مدفونة دون أكفان, هنا شوارع مطوقة بالرهبة والخوف والفزع, هنا الصابري وسوق الحوت.
بعد حرب دامت لأكثر من ثلاث سنوات في مدينة بنغازي شرقي البلاد كان ضحاياها "أهالي المدينة" ما بين نازحين من الحرب, وبين فارين من الألغام المزروعة داخل بيوتهم, وبين هذا وذاك تبقى عودة السكان هي العملية الأصعب التي يواجهها جهاز الهندسة العسكرية المسؤول عن كشف وتفكيك تلك الألغام .
ألغام موصدة
لم تتوقف الألغام في بنغازي عند حصد الأرواح وهدم المنازل فقط, بل امتدت إلى التقليل من فرص العيش ومزاولة الحياة الطبيعية والمدنية للذين هم على قيد الحياة أيضاً, حيث طالت الألغام أطراف العديد من الشباب و أجزاء من أجسادهم أيضاً أثناء قيامهم بعملهم.
هنا قصة "محمود الفرجاني" شاب عشريني, يعمل كمتطوع ضمن أفراد الهندسة العسكرية للكشف عن الألغام في بنغازي والذي أصبح ضحية لها مؤخراً .
أصيب محمود في محور الصابري عند قيامه بعمله وتأدية واجبه تُجاه وطنه ومدينته, حيث انفجر أحد هذه الألغام أثناء فكه لمجموعة منها والتي قدرت بـ 8 ألغام في منزل واحد فقط لأحد المدنيين.
يقول محمود أن الأدوات التي أستخدمها لفك هذه الألغام هي عبارة عن أدوات بدائية مثل المفك والسكين وغيرها بسبب النقص الحاد في الأجهزة الكاشفة عن نوع الألغام TNT. ورغم هذه الأدوات البسيطة نناضل كل يوم للقيام بواجبنا وتسهيل عودة الاهالي النازحة إلى مناطقهم وبيوتهم.
اليوم يعيش محمود كغيره من ضحايا الألغام معاناة حقيقية في مواصلة عمله والمُضي نحو حياته الطبيعية كشاب يطمح للعيش والعمل والدراسة كباقي أقرانه. بعد أن فقد محمود كلتا قدميه, أصبح يُعاني مرارة الحياة مُقعداً على كرسي متحرك يتجول به بين الزقاق والأحياء ليتذكر ما قام به مع فريقه, وما لم يتمكن من القيام به جراء إصابته
إمكانيات محدودة
رُغم الجهود التي يبذلها أفراد جهاز الهندسة العسكرية في بنغازي للعمل جدياً على فك الألغام الموصدة داخل البيوت والأحياء, يعاني الجهاز من نقص في الإمكانيات والمُعدات اللازمة التي تساعدهم على حصر المناطق المفخخة, والعمل سريعاً على كشفها.
و من خلال حديثه لنا يؤكد رئيس عُرفاء وحدة صنف الهندسة العسكرية ''جمال محمد الرّملي'' مدى التحديات التي تواجههم في عملية كشف الألغام داخل احياء الصابري, سيدي فرج, بوعطني والقوارشة. حيث قال بأن هذه الألغام تتباين في حدتها وخطورتها وأنواعها من حيث تأثيراتها السلبية على المباني والبيوت بصفة عامة والأفراد بصفة خاصة.
و من بين أخطر المناطق التي زرعت فيها الألغام هي منطقة القوارشة حيث شارع الشجر والمستشفى الأوروبي ( المعقل الرئيسي لتنظيم الدولة ) والذي وُجد فيه أخطر أنواع الألغام المعروفة بـ "مساطر اللوح والكبسون" وهي عبارة عن ألغام لها القدرة على تحمل الظروف المناخية ودرجات الحرارة بالإضافة للماء, حيث يبلغ وزنها حوالي 6 كيلو جرامات.
يضيف الرملي بأن أفراد جهاز الهندسة العسكرية الأكثر تضرراً من خلال كشفهم على الألغام يدوياً ودون أي وسائل أو أدوات للحماية الجسدية.
زراعة الألغام في المنازل هي حرب صريحة ضد المدنيين
إذ يؤكد الرملي أن الجماعات التي كانت تتمركز داخل الأحياء السكنية قامت بتفخيخ المنازل قبل إنسحابها من تلك الاحياء السكنية.
و يتابع الرملي حديثه قائلاً بأن لا نتائج لزيارات لجان الأمم المتحدة على الأرض رغم معاينتهم لمواقع زرع الألغام, مطالباُ الجهات المعنية في الدولة والمنظمات الدولية بتحمل المسؤولية وتوفير هذه المعدات في أسرع وقت ممكن من أجل التصدي لجحيم هذه الألغام التي تهدد عودة الحياة لبعض الأحياء السكنية في مدينة بنغازي.
مؤكداً على أن الإمكانيات المتاحة اليوم هي إمكانيات يدوية بسيطة قد تساهم في إطالة مدة إزالة هذه الألغام لمدة تزيد عن السنتين.
ألغام و أرقام
بعد إنتهاء الحرب في المدينة أصبح من الواضح حجم الدمار الذي لحق بالمنازل, خاصة داخل الأحياء السكنية التي استمرت فيها الحرب حتى أيامها الأخيرة مثل الصابري وسوق الحوت.
معظم اهالي هذه المناطق هم نازحون وتقدر اعدادهم ب18 الف اسرة حسب سجلات لجنة الازمة بالمدنية. البعض تمكن من العودة رغم الظروف السيئة جدا التي تعاني منها تلك المناطق من إنعدام توفر أهم مكونات الحياة الاساسية مثل الكهرباء والماء. و البعض الأخر كانت محاولاتهم مأسوية حيث قُتل العديد من المدنيين نتيجة الالغام ومخلفات الحرب اثناء دخولهم لمنازلهم.
لم يتم الإعلان عن احصائيات رسمية باعداد الضحايا, ولكن توكد تقارير صحفية أن 105من المدنيين كانو ضحايا الألغام ومخلفات الحرب في الصابري وسوق الحوت فقط, من بينهم عمال اجانب.
و وفقاً ِلإحصائيات وأرقام فريق عمل الهندسة العسكرية في بنغازي يؤكد مندوب صنف الهندسة العسكرية عبد السلام المسماري أن َمناطق بنينا, سَيدي فرج, بُوعطني, الّليثي تم تأمينها بالكامل من الألغام ومخلفات الحرب وتتم عودة أهالي هذه المناطق بطريقة سلسة وهادئة تدريجياً, بينما منطقة القوارشة و قَتفوذة فقد تم تمشيط 50 % منها ومنطقة الصابري فقد تم تمشيط ما يقارب الـ 30 % منها, فيما تتناقص النسبة في منطقة سوق الحوت إلى 15%.
تطبيق"بلّغ"
مع ارتفاع عدد ضحايا الألغام, بَادرت شركة تطوير للأبحاث وبِالتعاون مع شركتي فنون لِلتصميم و سديم للتقنية بإطلاق تطبيق "بلّغ" على الهواتف الذكية, والذي يُساهم في حماية المدنيين من أي أجسام مشبوهة أو مخلفات الحرب.
وذلك بتصوير أي جسم يشتبه في أن يكون لغما، أو قابلا للانفجار في مدينة بنغازي من قبل المدنيين، ويحدد التطبيق أماكن وجود الأجسام التي يتم الإبلاغ عنها بتقنية نظام تحديد المواقع العالمي (gps)، على الهواتف الذكية التي تعمل بنظام تشغيل أندرويد، ليتم إرساله للجهات المختصة "الهندسة العسكرية" التي تتلقى معلومات موقع الجسم والبيانات والتفاصيل بشأنه، لتتعامل مع البلاغات حسب الأولوية، ومدى الخطورة التي يحددها الجسم والموقع.
و يقول محمد الغزال المدير التنفيذي لشركة سديم للتقنية بأن إطلاق تطبيق "بلّغ" هو من ضمن الشراكات الاجتماعية التي تسعى إليها الثَلات شركات في تطوير أعمالهم ومنتجاتهم. كما يسهل التطبيق التواصل بين صنف الهندسة العسكرية والأهالي حتى يتسنى لهم الرجوع بأسرع وقت ممكن.
شارك
Share on facebook
Share on google
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp

لقاءات و صور
