محمية لا تشبه غيرها, تمتد كسفوح خضراء بين اراضي قاحلة في منتصف الشمال الليبي, هذه المحمية لا تشبه نظيراتها في تونس والجزائر فهي تضم موارد حيوانية أو نباتية نادرة وغير متواجدة بكثرة في باقي الأراضي سواء في ذات البلد أو بلدان آخرى. في مدينة مسلاتة على بعد ٩٠ كم من طرابلس- نجد محمية (الشعافيين) والتي سميت نسبة لبنو الشعافيين- القبائل التي...
محمية لا تشبه غيرها, تمتد كسفوح خضراء بين اراضي قاحلة في منتصف الشمال الليبي, هذه المحمية لا تشبه نظيراتها في تونس والجزائر فهي تضم موارد حيوانية أو نباتية نادرة وغير متواجدة بكثرة في باقي الأراضي سواء في ذات البلد أو بلدان آخرى.
في مدينة مسلاتة على بعد ٩٠ كم من طرابلس- نجد محمية (الشعافيين) والتي سميت نسبة لبنو الشعافيين- القبائل التي نزحت من بني وليد جنوباً وصولاً إلى الشمال - صنفت هذه المحمية ضمن قائمة اليونسكو كمحمية طبيعية سنة 1978 بسبب احتوائها على عناصر نباتية وحيوانية نادرة فاقت ال 368 نوع ما بين زواحف وسلاحف نادرة وأعشاب طبية ونباتات زينة.
المحمية تترواح مساحتها حوالي 86 ألف هكتار وتقع في مدينة مسلاتة التي تبعد حوالي 100 كم عن طرابلس العاصمة, هذه المحمية تخضع لإدارة محلية على رأسها السيد, حسين بوسيف والذي يكرر في لقاءاته المتلفزة أو الصحفية عدم تمكن الإدارة من احتواء مشاكل المحمية التي فاقت الحد في آخر السنوات, منها تكرار الحرائق كل عام, نقص المعدات والأليات الزراعية وكذلك مركبات إطفاء الحريق.
وبما أن ليبيا تعد على قمة الدول التي تعاني مشاكل بيئية ومناخية جدية وطارئة فإن تكرار الحرائق كل عام للمحميات والمناطق المشجرة هو تهديد حقيقي لهذه المساحات التي تفتقر لها ليبيا والتي وصلت نسبتها أقل من 9% والذي يظهر واضحاً على خرائط غوغل بأن المساحات الخضراء في ليبيا في تضائل بشكل أسرع مما هما متوقع.
المحمية محاطة بنطاق سكاني متواضع يقدر بحوالي 65 ألف نسمة والذي يحاول الترفه والتنزه هروباً من الواقع المرير الذي تعيشه البلاد ومنها يأخذنا هذا إلى اسلوب حياة إعتاد عليه السكان في الزيارات غير النظامية والولوج المتكرر إلى المحمية دون سياسات صارمة تحد من الممارسات السلبية والاعتداءات على النطاق الاخضر للمحمية منها بقايا القمامة الناتجة عن التنزه الاسبوعي والطهي العشوائي على قرم الأشجار والحشائش, بالإضافة إلى الإصرار على التخييم في مناطق ممنوعة داخل المحمية.
في ذات الوقت تعجز السلطات الرقابية والاجهزة الامنية المنوطة بحماية المساحات الزراعية عن إيقاف السلوكيات والممارسات الخاطئة التي تضر من المساحات الخضراء والمحميات, ورغم أن المحمية تعتبر قريبة من السلطة المركزية للحكومات والوزارات المعنية في طرابلس, الا أن الإهمال المتعمد من هذه الجهات وضعت المحمية في أسوأ حالاتها من تدني في جودة الغطاء النباتي, وقلة نشاط الثروة الحيوانية وقدرتها على التكاثر والانجاب في ظروف صحية, بالإضافة إلى ضعف السلالات الموجودة في الوقت الحالي.
القهر البيئي
في محادثة افتراضية قام بها فريق البيرو مع الناشط والباحث البيئي إبراهيم القهواجي- مُعد ورقة بحثية عن محمية الشعافيين والذي أعدها بعد قضاء فترة ثلاث سنوات متكاملة من العمل الميداني في المحمية, والذي قال مُحبطاً من الوضع التي آلت إليه المحمية من قلة الموارد المائية والآبار والمرافق التحتية لمساعدة الباحثين والزوار على الوصول الآمن والمنظم للمحمية.
يقول القهواجي: المحمية لم تعد ملاذاً آمناً للحيوانات والنباتات بعد اليوم, فالتجمعات السكانية اليوم تستبيح الغطاء النباتي من خلال إستخدام هذه المساحات لأغراض شخصية أو تنقل غير مرخص, كما سوء التنسيق بين الجهات المعنية بالاهتمام بها كالوزارات والبلديات يعد من أكبر العوامل المهددة للسلامة البيئية داخل المحمية.
”مافيش تعاون جيد بين وزارة الزراعة ووزارة البيئة, كل حد يخدم بروحه وبشكل مستقل“
كما أنه يلقي باللوم على الدور المحتشم على وزارة الزراعة في كل سنة والتي ليس لها خطة سنوية واضحة, بل تعمل بشكل ارتجالي وغير منظم والذي تفتقد فيه للجانب المستدام في كل نشاط.
” لولا مساعدات المجتمع المدني للمحمية كانت ستكون هالكة منذ زمن بعيد“
يقول السيد القهواجي بأن المجتمع المدني هو الجسم الوحيد الذي يعمل بشكل فاعل ونشط في مجال البيئة غير هذا فإن المحميات والمناطق الرطبة لا تلقى إهتمام موسع من قبل الدولة, فهي رفاهية في ظل الملفات المفتوحة اليوم.
في الجانب الآخر من القصة, يقول السيد المكي العجيل \مدير إدارة المحافظة على الطبيعة لدى وزارة البيئة بأن ليبيا جزء من الاتفاقية الدولية للتنوع البيولوجي والتي منوط بها دور المحافظة والرعاية على هذه الثروة المهمة والتي يقر فيها بأن الوزارة قصرت بشكل كبير في الاهتمام بالمحميات بشكل عام وأن الفوضى المؤسساتية الحاصلة في البلاد أثرت بشكل كبير على جدول مخططات الوزارة للمضي في العمل بشكل أسرع.
تقدم بقوله بأن الوزارة قامت السنوات الماضية بعملية تقييم للاحتياجات وبعدها عمل خطة للعمل بشكل جدي ولكن إلى الآن لم يتم نشر أي شئ على موقع الوزارة أو مواقع التواصل الاجتماعي لها, حيث تواجه الوزارة تحدي كبير في رقمنة المعطيات والنشاطات على موقعها.
حاجج أيضاً بأن الوزارة لا يمكنها نشر أي شئ يتعلق بخطة العمل حتى الانتهاء منها, والتي صرح بأنها أمتدت لسنوات وسيتم تقديم آخر نسخة منها الأسبوع القادم (منذ تاريخ إنتاج هذا المقال).
بلا أرقام!
من خلال جولتنا المطولة لمواقع التواصل الاجتماعي التابعة لوزارة البيئة والتي مُلئت صفحاتها بشكاوى الموظفين عن تأخر مرتباتهم و الكثير من التهاني للإفراج عنها مؤخراً, نجد بأن صفحة الفيسبوك تفتقد للتواصل المنتظم مع المتابعين والباحثين في مواضيع البيئة والبيانات المجمعة من قبل الوزارة, كما أن الدور التوعوي يظهر شحيح جداً, ولا وجود لمادة إعلامية تسهل وصول الصحفيين أو المهتمين بالشأن البيئي إلى الوزارة.
و كالعادة يظهر بشكل واضح غياب الوزارة والأجهزة المعنية عن استحداث أي تقارير دورية تقلل من تساؤلات المشككين في الدور الذي تقوم به والخدمات المقدمة. ف عدم علنية الوزارة واستحداثها لجدول وخطة زمنية واضحة على الموقع الخاص بها أو مواقع التواصل الاجتماعي المرتبطة بها يعتبر تكتم عن المعلومات و نفاذ ناقص للمعلومات.
المحمية كغيرها الكثير من المساحات الكثير المهددة داخل ليبيا والتي لا يمنحنا علم الأرقام \علم البيانات Data science الإفادة التامة, حيث حاول فريق البيرو الوصول إلى عالم بيانات ليبي مهتم بمجال البيئة والتغير المناخي ولكن كل النشطاء الفاعلين في هذا المجال يعملون بشكل مستقل ومناصر للقضايا بشكل تضامني أكثر.
محمية الشعافيين هي واحدة من 8 محميات موثقة داخل ليبيا والتي تغطي نسبة 0.1% بحوالي مساحة 173 هكتار, الكثير من المحميات الاخرى تعاني من خطر الانجراف والتصحر منها محمية البيضان في إجدابيا والتي لازالت تحت خطر اقتلاع الاشجار وتحطيم جزء كبير منها واستخدامه في نشاطات صناعية مختلفة.
مؤتمر المناخ COP27 في شرم الشيخ
رغم كل الانتقادات التي طالت مؤتمر المناخ الذي عقد نوفمبر الماضي في شرم الشيخ, مصر والتي لم تتدخر فيه السلطات المصرية وإعلامها جهداً للترويج للمؤتمر وأهميته, الذي كان من أهم مخرجاته رصد ميزانية 3.1 بليون دولار للعمل على خطة طارئة لمدة خمس سنوات لتوصل الي حلول في مجال الطاقة, الهيدروجين, المواصلات والزراعة.
شاركت الكثير من دول العالم عبر وفود رسمية ونشطاء وباحثين في مجال البيئة والتغير المناخي وطرح توصيات عاجلة خاصة في إفريقيا والدول المتأثرة بشكل مباشر من التغير المناخي, من بين الدول شاركت ليبيا (شكلياً) حسب توضيح العديد من النشطاء البيئيين الليبيين الذين كانوا في حالة صدمة وإحباط من الوفد الهش الذي حضر المؤتمر, حيث تم ضم الوفد الليبي محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي ووزير البيئة د. إبراهيم العربي الذي كانت لهما مشاركة تفتقر لوضع استراتيجية واضحة أو خطوات عاجلة في ظل الخطر المباشر الذي تواجهه ليبيا بيئيا ومناخياً.
حضر المؤتمر شباب ليبيين فاعلين في مجال البيئة على رأسهم الناشط البيئي ورئيس مجلس شباب ليبيا للتغير المناخي محمد الشيخي, الذي عبّر آسفاً بأن المؤتمر لم يحقق الآمال المعقودة عليه, فبسبب الأوضاع الراهنة في اوكرانيا والازمة الاقتصادية في العديد من الدول تم تأجيل مجموعة كبيرة من الخطط المتفق عليها سابقاً التي كانت من الممكن أن تحدث تغييراً ولو جزئياً على مستوى الممارسات الدولية الضعيفة تجاه مشكلة المناخ المتصاعدة.
تحدث الشيخي لنا بنبرة آسفة عن مشاركة ليبيا التي وصفها ب(الضعيفة) من خلال ارسال وفد يفتقر لوجود العنصر التقني والمعرفي الذي من مهامه متابعة الجلسات الجانبية والرئيسية في المؤتمر, بهدف التفاوض في مجال البيئة والمناخ في المنطقة وفي العالم, حيث سرد لنا الاخفاقات الليبية في هذا المؤتمر بدايةً من ضعف تواصل الوفد المرسل مع الشركاء الاقليميين و تغيبهم عن معظم المحادثات القائمة في المؤتمر, كذلك الافتقار لمعلومات او بيانات معمقة عن الوضع المحلي للمناخ من قبل الوفد المرسل.
طرح الشيخي مجموعة من التوصيات لقادم المناسبات والتي من واجب الجهات المعنية بالتغير المناخي والبيئي في ليبيا الأخذ بها لضمان نتائج أفضل وممارسات أذكى في هذا المجال, ومن ضمنها ان يتم إعداد فرق تقنية شابة قادرة على التفاوض والتطوير مع الأقران والجهات المشابهة في السياق والطرح, بالإضافة إلى إشراك أعداد أكبر في الجلسات الفردية أو الجانبية والتي من فائدتها مساعدة الوزارات والهيئات لفهم الاستراتيجيات والخطط الحديثة التي تقوم بها الدول في حل مشاكل مشتركة.
شارك
Share on facebook
Share on google
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp