يُعد الزواج أحد أهم وسائل التواصل بين الشعوب , ووصلة حقيقية للتبادل الثقافي والإجتماعي بينهم, بالإضافة الى إن الزواج المختلط بين الأعراق والجنسيات والجذور هو دافع للمعارف وتقوية العلاقات البشرية والأنثروبولوجية.
زواج الليبيات من الأجانب ثقافات متبادلة
نشر بتاريخ: 2017/10/15
/
يُعد الزواج أحد أهم وسائل التواصل بين الشعوب , ووصلة حقيقية للتبادل الثقافي والإجتماعي بينهم, بالإضافة الى إن الزواج المختلط بين الأعراق والجنسيات والجذور هو دافع للمعارف وتقوية العلاقات البشرية والأنثروبولوجية.
كما أن الزيجات المختلطة لها تأثير قوي في تنوع التراكيب المُجتمعية والنسلية, وهذا التأثير يترك “سفارات متعددة “ داخل ذات الشخص, لتجعل منه سفيراً متعدداً وممثلاً لثقافات وبيئات مختلفة.
و من خلال هذا البورتريه الكتابي نود تسليط الضوء على قصص سيدات عشرينيات من ليبيا تزوجن من أجانب, حيث نصور هنا زاوية رمادية في مجتمعنا, لا نعلم الى اليوم ما الأسباب وراء الرفض وعدم القبول بهن وبأبنائهن ؟
إستفهام عنصري
تمتزج القضايا المدنية بإمتزاج بورتريه قديم يؤكد أن شعوب الأرض هم خليط مُعقد, ولكن لم تقف يوماً الأعراق أو الجنسيات عائقاً بين أي شريكين, حيث تطالب ملاك بمنح الجنسية الليبية لأبناءها بل ولزوجها أيضاً.
ملاك طبيبة ليبية, تزوجت من رجل سوري وُلد وترعرع في ليبيا, درس في مدارسها وجلس على أرصفة شوارعها وعاش مع الليبيين جنباً الى جنب في ظروف السلم والحرب التي مرت بها البلاد. واليوم ملاك تسرد لنا قصتها والصعوبات التي تواجهها كونها ليبية متزوجة من أجنبي حيث شكلت لها هذه الصعوبات تأثيرات سلبية تعيق حرية حركتها وتنقلها من ليبيا الى البلاد المجاورة رفقة عائلتها.
تعيش ملاك اليوم في طرابلس وتواجه أشد الظروف مع عائلتها في محاولة جدية منها الى التأقلم مُجتمعياً وقانونياً ورغم كل هذا القانون الليبي لا يقف الى صفها على حد تعبيرها. حيث أنها تفكر في كل لحظة في ابنها الذي لا يحظى بأي حقوق سياسية أو اجتماعية في ليبيا سواء في الوقت الحالي أو حتى على مدى المستقبل القريب البعيد, فليس من السهل على ملاك توفير الاحتياجات العاطفية والمادية وكذلك البيئة المُجتمعية الحاضنة. أيضاً مدى صعوبة إجراءات الإقامة والسفر خارج البلاد في ظل إحتياج أسرتها لتأشيرات عبور للبلدان المجاورة كونهم مواطنين غير ليبيين.
تضيف ملاك أن الحياة في ليبيا بالنسبة للأجانب تزداد صعوبة في قطاع العمل بالأخص. حيث أن القطاع العام يفضل توظيف المواطن الليبي عن المواطن الأجنبي “رغم وجود الكفاءة “ وهذا الأمر يتعارض مع أسس التوظيف العام في كافة دول العالم.
حيث ان زوجها تقدم للعديد من الوظائف الشاغرة في طرابلس ولكن أرباب العمل غالباً ما يواجهوه بالرفض وعدم القبول كون أن العوائق الوظيفية للأجنبي ستكون بنسبة أعلى من توظيف المواطن المحلي.
و في إطار الدراسة تواجه أيضاً كأي ليبية متزوجة من أجنبي مشاكل حقيقية في إجراءات التسجيل المدرسي لابنها الوحيد والذي سيعامل كأجنبي رغم ولادته و ولادة أبيه في ليبيا ورغم كل هذا لازالت عائلة ملاك تعامل بكل عنصرية مُجتمعية على أنهم عائلة أجنبية وغريبة عن ليبيا.
ويبقى السؤال الذي تكتبه ملاك يومياً في مذكراتها "إلى متى" ؟
إلى متى سيبقى ابني أجنبياً في بلد منحها كل الحُب والود والإنتماء ؟
حدود جغرافية وعوائق مُجتمعية
لم تقف الحدود الجغرافية كجدار حاجز بين طرفي زواجها , بل كانت خريطة الكرة الأرضية مُجتمعة في دولة واحدة في قصة "فاطمة الشريف". تعيش فاطمة ذي الأربع والعشرين ربيعاً مع زوجها في مدينة “نوردراين ڤيستفالن “ الألمانية, لأب ليبي وأم مغربية, درست القانون لفترة قصيرة متأثرة بالتخصص العائلي الذي يشغله أغلب أفراد عائلتها, ومن ثم رجعت الى دراسة الطب كخيار شخصي لها.
غادرت الشريف ليبيا في سنة 2010 الي ألمانيا في رحلة أستمرت معها ليومنا هذا, والتي كُللت بزواجها من الألماني “ مارتن “ حيث حضيت معه بفرصة خلق عائلة جديدة بثقافة مختلطة وجذور متجانسة.
ومن هنا بدأت تجربة فاطمة والتي كانتمليئة بالنضالات الفردية لــعدم القبول ا لعائلي من جهة الأم والأخ لها, ورغم التشجيع الذي لاقته فاطمة من أبيها والذي حفزها للمُضي بحرية في إختيار شريكها ورفيق حياتها ومع ذلك ترى عائلتها ان هذه التجربة ليست محلاً للإعجاب أو الدعم بل وليست قابلة حتى للطرح أو إستجلاب الأراء.
وكما جرت عليه العادة أن مُناصرة الزواج المختلط دراسياً أو من خلال العمل المدني هو أمر يكاد يكون معدوماً داخل المجتمع, ورغم هذا تحاول فاطمة من خلال صفحتها الشخصية على موقع فيسبوك وسناب شات التوعية للسيدات المتزوجات من أجانب داخل ليبيا أو خارجها للمطالبة بحقوقها وحقوق أسرتها , والعمل على التوعية المُجتمعية لتقبل هذه التجارب كتجارب تُضيف للمجتمع لا تنتقص منه.
وفي ذات هذا الوقت الذي لا تعتبر فيه فاطمة زوجها الألماني "أجنبياً" هناك من يعتبرون المتزوجات من أجانب هن "حيوانات سيرك للفرجة فقط" على حد تعبيرها. أي لا يمكن إتباعهن أو العمل بما أقدمن عليه على محمل الجدية.
وتقول الشريف أن التحديات المُجتمعية والأسرية كبيرة جداً أمام السيدات الليبيات اللاتي يقدمن على الزواج المختلط, فيتم مقابلتهن بالرفض
وإنهاء علاقاتهن الإجتماعية بعائلاتهن, والكثيرات تعرضن للسب والشتم على إثر ذلك كونهن "خارجات عن العُرف" حتى السيدات اللاتي تزوجن من عرب ومسلمين.
حيث تكون ردود أفعال عائلات هؤلاء السيدات دائماً تهجمية ودون توضيح لأسباب منطقية , حيث وصفت فاطمة أن بعض العائلات تعتبر الى يومنا هذا الزواج بغير ليبي هو "عار" على المجتمع.
ومن هذا المنطلق تقول أن لا وجود لبشر بهوية أحادية, جميعنا مختلطون عرقياً ودينياً, حتى القبائل البدائية الأولى حول العالم لازالت تحمل موروثات أسلافها المتعددين.
قرار شجاع
أسماء خليفة, 28 سنة, باحثة وطالبة ماجستير في مجال السلم والنزاع. درست أسماء في تركيا وبرزت في العمل المدني داخل وخارج ليبيا, وتعرفت على زوجها النرويجي من خلال دراستهما المشتركة في ذات المجال.
لم تستطع "أسماء" تصنيف علاقتها في بادئ الأمر ولكن تركت مسافة لنفسها وأتبعت إستراتيجية وصفتها بــ ( الذكية).
حيث سمحت لوالدتها بالتعرف عليــه والتحدث معه دون معرفة طبيعة علاقتهما وهذه الإستراتيجية ساهمت بشكل كبير في إقناعها ومعرفة مدى جدية علاقتهما.
في بداية الأمر ترددت أسماء في طرح فكرة الزواج على عائلتها بالكامل, وبعد تردد طويل جرت الأمور بطريقة سلسة وحاولت إعلام المُقربين من عائلتها فقط وتركت باقي المُهمة لوالدتها على حد تعبيرها.
أسماء تقول نحن الإثنان جداً متناسقان من حيث الإعتقادات والأفكار ولا أرى بأنه “أجنبي” رغم الخلفيات الثقافية الشاسعة بين بلدينا ولكن هذا ساعدنا كثيراً في تخطي العديد من الحواجز والعراقيل الإجتماعية.
أضافت أيضاً رغم عدم إعتراف الدولة الليبية بزواجي فإن هذه التحديات كانت سبيلاً لنجاح علاقتي مع زوجي, و اليوم نحن في السويد تحت مظلة قوانين الاتحاد الأوروبي الذي يدعمنا ويحمي حقوقنا على عكس القانون الليبي الذي لن يمنح الجنسية لزوجي أو لأبنائي مستقبلاً وأيضاً القانون النرويجي الذي يقيد حرية حركتي وعودتي الى ليبيا للعمل لذلك نحن نعيش هنا في السويد.
كلنــا ننتمي للإنسانية ولا فروقات بيننا
تصف أسماء القوانين الوطنية لبعض الدول على أنها بيروقراطية وقديمة الطراز ولا تتماشى مع الحياة المدنية اليوم. كما وجهت رسالة للسيدات الليبيات اللاتي أقدمن على الزواج من أجانب أو اللاتي سيقدمن على ذلك بأن لا يسمحن للمجتمع بأن يختار نيابة عنهن أو يحد من خياراتهن.
لا وجود لطفرات المجتمع هنا
لا حياة شخصية هنا, حياتك الشخصية هي رهن للمجتمع إما أن يكون الرهان سهل السداد. بالتالي يمكن التأقلم معه أو يصعب سداده فيصبح عقبة في وجهك ووجه عائلتك, هذا ما سترويه لنا أماني في قصتها مع زوجها الألماني.
سأصف تجربتي بأنها ناجحة وناجحة جداً
هكذا تقول أماني الطالبة الليبية المُبتعثة في ألمانيا و التي تعيش تجربة ناجحة مع زوجها و فشلت في إقناع عائلتها وكسب دعمهم لها في ذات الوقت.
تعرفت أماني على زوجها أثناء دراستها في ألمانيا, والتي وجدت فيه حسن الطباع والقبول بشخصيتها وطبيعة بيئتها, بل وتقاربت الحياة بينهما حتى في اللسان الناطق بالعربية والديانة الإسلامية.
و بمجرد تيقن أماني بالرفض من قبل أهلها حاولت التكتم على حقيقة علاقتها معه ولكن ما إن أحست بوجوب مُصارحة الأهل والعمل جدياً على إقناعهم. لأن ما تؤمن به أماني جيداً ان ما تقوم به ليس بالأمر المُخالف قانونياً. ورغم إقتناع والدتها بزواجها ومحاولة دعمهاً من وقت لآخر ولكن طال الرفض والدها وأختها واللذان شجبا فعلها بحجة جلب العار للعائلة.
و من هنا أصبحت أماني تواجه العديد من المشاكل مع أسرتها والتي لم تستطع التواصل معهم بشكل جيد نتيجة للضغط الذي يقع على عاتقها جراء زواجها بأجنبي. حيث ان هذا الضغط ساهم بشكل سلبي على حياتها والذي على إثره لم تتمكن من محاولة الإنجاب خيفة أي رد فعل سلبي من عائلتها.
أماني اليوم تطالب بوجوب توعية الأجيال الحالية والقادمة بضرورة تقبل الآخرين بإختلافاتهم العرقية والأصولية, بالإضافة للنهوض بــ العمل المدرسي والجامعي على هذا الشأن الذي سيساهم برفع التوعية للإفراد والمجتمعات.
نهايات قانونية ثابتة
رغم خشبية القانون الليبي في تناوله لمنح الجنسية وحقوق المواطنة لأبناء الليبيات المتزوجات من أجانب, ولكن هذا لا ينفي أن القانون الليبي وفقاً للمادة 11 من القانون 24 والتي تنص على جواز منح الجنسية الليبية لأبناء الليبيات المتزوجات من غير ليبيين وفقاً للضوابط التي تحددها اللائحة التنفيذية من هذه المادة.
في حديث للمحامية والمستشارة القانونية "خديجة البوعيشي" بخصوص هذا الموضوع أكدت البوعيشي بأن اللائحة رقم 594 لسنة 2010 وضعت الضوابط اللازمة لتنفيذ المادة وجعلت موضوع منح الجنسية جوازاً لا إلزاماً لهم. حيث ميزت بين الأبناء القاصرين والبالغين لليبية المتزوجة من أجنبي.
في ذات اللائحة أجازت للأم بتقديم المستنذات المطلوبة لمنح أبناءها الجنسية بينما الراشدين فتمنح لهم الجنسية بعد طلبها شخصياً ونيل موافقة الوالدين بالخصوص.أما فيما يخص الإلتزامات المادية والرسوم المدرسية فيعتبر القانون الليبي أن أبناء الليبية المتزوجة من أجنبي هم "أجانب" فلا يحق لهم التمتع بمجانية التعليم والرعاية الصحية وكذلك حق المواطنة والمشاركة السياسية, وفي المقابل يعفيهم القانون من أداء الواجبات العامة كأدا ء الخدمة العسكرية مثلاً .
وفي إشارة مهمة أيضاً لحماية حق المراة الليبية المتزوجة من أجنبي في ميراث
ها لزوجها , فقد أشارت البوعيشي الى أن القانون الليبي لا يسمح للأجانب بتملك العقارات والأراضي أيضاً الإ لغاية إستثمارية بشرط شراكته مع أسهم ليبية أو رأس مال ليبي, ومن هنا يمكن للزوجة إسترداد قيمة هذه الأسهم “ نصيب الزوج “ من هذه الشركة وفقاً لمشروعيتها القانونية .
كما أضافت الى أن منظمة “حقي “ للنساء الحقوقيات في ليبيا تسعى الى رفع الوعي المُجتمعي بحملات تطالب بمنح الجنسية وحقوق المواطنة لأبناء الليبيات المتزوجات من أجانب كالحملــة التي أطلقت مارس الماضي “جنسية أمي جنسيتي“ للمطالبة برفع القيود التي تخص منح الجنسية وفقاً للمطالبة بحق المساواة المكفول قانونياً فالمواطنون والمواطنات متساوون أمام القانون وفي القانون, وهذا يتنافى مع عدم منح الجنسية لأبناءهن وفقاً لهذه القاعدة القانونية التي تعارض التمييز بين الجنسين في ليبيا.
شارك
Share on facebook
Share on google
Share on twitter
Share on linkedin
Share on whatsapp